إعادة بناء سبل العيش في عراق ما بعد الحرب

نشرت: ٠٥‏/٠٤‏/٢٠٢٤ وقت القراءة: 6 دقائق
إعادة بناء سبل العيش في عراق ما بعد الحرب
© Foto: People in Need

الأزمة المدمرة التي ضربت العراق خلال وجود ما تسمي نفسها الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) سببت نزوحاً داخلياً ودماراً كبيرين. العائلات في كثير من مناطق العراق اضطرت لترك منازلها وسبل عيشها والتزاماتها بحثاً عن أماكن لجوء آمنة في مناطق أخرى. في بيجي والتي كانت في سابق مدينة مزدهرة ومتنوعة تركت لتدمر مع أكثر من 80% من بنيتها التحتية قد تدمر. بفضل التمويل المقدم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ودعم وزارة التنمية الاتحادية الألمانية (BMZ) وبنك التنمية الألماني (KfW) قمنا بدعم 128 فرد من خلال تدريب يركز على التسويق والمحاسبة والتدريب وكذلك تم تزويدهم بمنح قروض الأعمال الصغيرة للمساعدة في تطوير أعمالهم.

في عز أوقات القتال، العائلات من بيجي، 130 ميل شمال بغداد، بحثت عن ملجأ في مناطق أخرى، حيث كانت كركوك الوجهة الرئيسية للكثير من النازحين. على الرغم من ذلك، استمرار الانفلات الأمني منع عودة السكان. أحدث إحصائيات منظمة العمل الدولية (IOM) تظهر أن حوالي 15% من سكان بيجي، حوالي 31,530 فرد عادوا إلى مناطقهم.

من الخسارة إلى الجمال

من بين هؤلاء العائدين صفاء ذات 25 عاماً والتي مع عائلتها نزحت إلى كركوك. بعد أن فقدت والدها أصبحت صفاء معيلة عائلتها الوحيدة. عادت العائلة إلى بيجي بعد تحريرها مما تسمي نفسها الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). صفاء تمتلك شغفاً كبيراً للتجميل وكان لديها حلم بأن تفتح صالونها الخاص. من الخلال الدعم المقدم من قبل UNDP, KfW و BMZ تلقت صفاء منحة أعمال مكنتها من تحقيق حلمها. خلال أربع شهور، استطاعت بنجاح تأسيس صالونها الخاص

"لقد أحببت المكياج منذ طفولتي، كنت أتدرب بنفسي. كل ما كان لدي هو مرآة واحدة فقط وبعض الأدوات،" تقول صفاء. عندما تلقت المنحة اشترت مرآة جديدة، وكرسيين، وآلة لغسيل الشعر وبعض الأدوات الأخرى لصالونها.

"كانت ممارستي للتجميل تقتصر على العائلة والأصدقاء، ولكن عندما فتحت صالوني الكثير من الناس بدأوا بزيارتي. وضعت لافتة ولدي اسم الآن. كذلك قمت بالترويج لعملي على الفيس البوك والانستغرام" أضافت. شاركت صفاء جلسات التدريب التي نظمنها لتعريف المستفيدين على تحفير نمو الأعمال حيث تعلمت التسويق والمحاسبة. "قبل أن افتح الصالون كان لدي دخل ضئيل، ولم أكن قادرة على شراء كل ما احتاجه. كان لدي بالكاد زبونة أو اثنتين في الشهر. ولكن، الآن الدخل قد زاد وأنا أفكر في شراء بعض الأدوات لتطوير عملي وتطوير مهاراتي للتعرف على صيحات الموضة الجديدة."

"نواجه الكثير من التحديات بسبب الكهرباء. لدي مولد لكن لا يعمل كل اليوم. في أحد المرات، كنت أقوم بتجميل عروس ولكن الكهرباء انقطعت قبل أن انتهي من تسريح شعرها. شعرت بخجل شديد أنها غادرت بدون قصة شعر،" تشرح صفاء.


والدتها فخورة بكون ابنتها ناجحة ومستقلة، ترى أن هنالك احتمالية كبيرة لخرق النمط السائد ومشاركة المزيد من النساء في العمل. "أشعر بالفخر عندما أسمع الناس يتكلمون بشكل إيجابي عن ابنتي. إنها لطيفة جداً وطموحة. كل ما أقوله عنها لا يوفيها حقها." قالت لنا. كذلك تتعاون صفاء مع المحل الذي يبيع الفساتين لتبادل الخدمات فيما بينهما، في خطوة تعزز التعاون في المجتمع.

رحلة صفاء من النزوح إلى النجاح في امتلاك صالون تجميل تأخذنا إلى زوجين من بيجي واللذان تنبع رحلتهما من الحاجة إلى معالجة مشكلة تلوث المياه في حيهما.

الحاجة تخلق الفرص

ألين وأثير، 22 و23 عاماً، لاحظوا الصعوبات التي تواجه مجتمعاتهم وفكروا لإيجاد مشروع تنقية المياه. "بيجي فقيرة والكثير من الناس يعيشون هنا لديهم دخل محدود ويعتمدون بشكل أساسي على العمل اليدوي،" يشرح أثير. قبل المشروع، كان يتوجب على السكان استئجار سيارة للسفر إلى مسافات بعيدة من أجل مياه الشرب، مما يضيف تكاليف إضافية لكل ليتر مياه حوالي 6000 دينار عراقي (حوالي 4.60$). 

"علمنا عن المنحة من خلال الفيسبوك وقررنا التقدم،" يقول أثير.

"الأبحاث كانت جاهزة، وبعد ذلك علمنا أنه ليس هنالك أي منافسين. ولكن قبل الحصول على المنحة لم يكن لدينا أي مال."

شاركت ألين في الصفوف التي نظمناها للتدريب على الأعمال، والتي ساعدت المستفيدين لتعليم كيفية إدارة والترويج لعلمهم بشكل فعال. تعلم كيفية تشغيل الآلات ظهر كعقبة للعائلة الصغيرة لأن كل من ألين واثير لم يحصلوا على تعليم كاف. "زارنا مهندس من بغداد وشغل الآلات أمامنا وعلمنا كيف نقوم بتشغيلها، كيف يمكننا تنظيف الآلات وكيفية قياس جودة المياه. الآن، يمكننا أن نشغل كل شيء بأنفسنا،" يشرح أثير. من خلال شهادة اعتراف من وزارة الصحة، حسن الزوجين وصول مجتمعهما للمياه النظيفة.

"قبل المشروع، كان يعمل زوجي كعامل يومي. لم يكن لدينا دخل كافي. إن عمل فسيكون لدينا دخل، إن لم يعمل فلم يكون لدينا شيء،" تقول ألين. بفضل المنحة، ألين واثير مستقلان مادياً الآن ويمكنهما ضمان دخل يوفر حاجات طفليهما.

من خلال التدريبات والإشراف، يقوم الزوجين بالترويج لعملهما على وسائل التواصل الاجتماعي. كما قاما بتوزيع صهريجين من المياه مجاناً خلال اليومين الأوليين من عملهما. "إننا نكتسب المزيد من الزبائن مع مرور الوقت. سمعتنا الطيبة هي المفتاح. بعض الناس ليس لديهم المال لشراء الخزانات، لذلك زودناهم بها مجاناً ليتمكنوا من إعادة ملئها." 

"نحن من هذه المنطقة، نفهم الصعوبات التي تواجه الناس هنا، ونحن نريد دعمهم."

يتلكم أثير حول الكيفية التي يريد بها توسيع عمله مع الوقت. "أفكر في بدأ خدمة توصيل المياه إلى المنازل. كما نحتاج إلى آلة لتنظيف وتعقيم الخزانات من أجل إعادة التعبئة."

"أي مشروع يساعد المجتمع هو بركة من الله،" تختم ألين حديثها.

من أزمة نزوح إلى مشروع ناجح لإدارة ورشة تصليح سيارات

بعد تخرج حامد كمحاسب، اضطر للنزوح مع زوجته وابنه بسبب هجوم ما تسمي نفسها الدولة الإسلامية في العراق والشام على قريته. اضطر حامد لتعلم مهنة جديدة من أجل إعالة عائلته، فوجد نفسه يعمل في مجال تصليح السيارات.

"كنت أعمل كموظف في محل يملكه شخص أخر وكنت أريد أن أترك عملي من أجل عمل أخر في العمل اليدوي لأن الراتب لم يكن كافياً،" يشرح حامد. "أقنعني مديري بأن أركز على الخبرة أكثر من المال، وأنا سعيد لأنني اتبعت نصيحته." 

في 2016، قرر حامد العودة إلى بيجي مع عائلته وفتح ورشة لتصليح السيارات. "لدي القليل من الأدوات، وكنت أقوم بكل شيء بشكل يدوي. أي مهمة بسيطة كانت تتطلب مني وقتاً طويلاً، وكنت اضطر للعمل على سيارة واحدة في كل مرة،" يشرح لنا.

تقدم لاحقاً للحصول على المنحة التي قدمناها من أجل شراء أدوات تكنولوجية وضرورية لعمله. لم توفر المنحة له فقط الأدوات ولكن رؤية أوضح نحو إدارة أعمال أكثر كفاءة. "بفضل التدريب الذي تلقيته من منظمة الناس في حاجة، تعلمت كيفية التعامل مع أموري المادية، وكيف يمكنني الترويح لورشتي بشكل أفضل وكيف يمكنني أن أقدم خدمة أفضل للزبائن،" يضيف. كذلك قمنا بتوضيح أهمية السلامة في ورشة العمل وخصوصاً أهمية وجود عدة الإسعاف الأولية ومطفأة الحرائق في بيئة العمل هذه.

تأثير المنحة كان كبيراً على عمل حامد وساعد في تطويره. حيث استثمر في الأساسيات التي كان يحتاجها، مما يقلل الوقت الذي يحتاجه لإنجاز كل مهمة مما يسمح له بالعمل على سيارتين في آن واحد، مما يزيد من دخله وعدد زبائنه. بالرغم مواجهة مشاكل في الكهرباء، تأقلم حامد، حيث ينتقل من العمل اليدوي إلى العمل الأوتوماتيكي. "ما أزال أحتاج للموازنة بين السيارات. أحاول دوماً تطوير نفسي وشراء كراج أكبر،" يشرح لنا.

من أجل نهج مجتمعي، قمنا بتزويد حامد بمتدربين يعملان معه من أجل العمل والتعلم مقابل مساعدة حامد بعمله. هذا النهج يستفيد منه كل من المتدربين وصاحب العمل.

بالرغم من الصعوبات التي تواجه العائدين الذين يعودون على مهل إلى مدنهم في العراق، بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبتمويل من الوزارة الاتحادية الألمانية للتعاون والتطوير من خلال بنك التنمية الألماني تقوم منظمة الناس في حاجة بدعم هذه المجتمعات لإعادة البناء والتعافي.

Autor: زينب ميدلان, المديرة الإقليمية للتواصل في سوريا والعراق

مقالات مرتبطة