حديقة في إدلب
نشرت: ٠٢/١٠/٢٠٢٢ وقت القراءة: 3 دقائقمن منزلها في الريف، تعتني حميدة بكل اهتمام بالأزهار و الأشجار التي زرعتها في حديقتها. تدرجات وردية و صفراء و حمراء غامقة تزين النبتة الخضراء الكبيرة التي تتسلق على حائط بيتها مفسحةً المجال للنسيم العليل بالتدفق. أصوات العصافير و هي تعبر خلال العريشة الخضراء التي تظلل أرض الدار و تخفف من ضوء الشمس ليصل لطيفاً إلى أرض الدار.
"زرعت هذه الورود لأنه كان يحبها،" قالت لنا. "أعطاني وردة في كل يوم و كان يقول لي: ماما أحزري ما أخبئ وراء ظهري؟ إنها وردة جميلة مثلك."
ابن حميدة، محمد، قتل منذ سنوات في قصف على حيهم في مدينة حلب، في العيد و حميدة كانت قد اشترت له ملابس جديدة من أجل هذه المناسبة. لم يكد محمد يرتدي ملابس و ينزل لملاقاة أصدقائه حتى سقطت القذيفة أمام المبنى.
ركضت حميدة لتتفقد ابنها رغم الزجاج المتطاير و المتكسر و الذي أدمى قدميها، فوجدته ميتاً. محمد دفن بثياب العيد بعمر الخمس سنوات و النصف.
محمد كان ابنها الأصغر، و لكن ولديها الآخرين صالح و محمد جرحا في القصف. يبدو أنه ما يحصد حياة أحدهم، يحفظ حياة الآخر، و يتحكم بذلك خطوة تتخذ في الوقت المناسب، منذ ذلك الوقت أصبحت حميدة تخاف من لعبة الحظ الفجة.
القذيفة التي قتلت محمد دمرت بيتهم. خمس و عشرين سنة من الذكريات تحولت إلى ركام و رماد: مزهرية للورود كان زوج حميدة قد أهداها إياها في ذكرى زواجهم، صور العائلة و شهادات نجاح أولادها الأكبر (كان سجل أولادها المدرسي ممتازاً قبل الحرب) كل ذلك ضاع.
مع تحولت حياتهم السابقة إلى طيف من الذكريات، تركوا حلب إلى جنوب إدلب، هنالك امرأة مسنة عرضت عليهم منزلها القديم المدمر نصفه بسبب القصف. أصلحوا النوافذ المكسورة و زرعوا الأزهار في الباحة و معها بذور حياة جديدة.
منزل حميدة و حديقتها هما الآن مركز لنشاطات. الأصدقاء و المعارف و في بعض الأحيان الجيران القدماء من حلب يأتون إلى زيارتها. يجلسون وسط الأزهار و في ظل الأشجار يحتسون القهوة بينما يتحدثون. هي تقول أنهم يستمتعون بالجو هنا خصوصاً مع الترحيب الحار الذي تبديه حميدة للضيوف.
في هذا الحي، الكثير ممن يعيشون هنا كانوا قد نزحوا من أماكن أخرى. واحدة من جارات حميدة أخبرتها عن مجموعات الدعم الذاتي، حيث يقوم المشاركون دورياً بالمساهمة بكمية قليلة من المال. بالمقابل، كل مشارك يحصل على قرض لتمويل مشروعه. في حلب، حميدة تعلمت كيفية صناعة المنظفات: الشامبو، سائل جلي الصحون، صابون الغار بزيت الزيتون. بمنحة قرضها الأول، اشترت حميدة المواد الأولية اللازمة لها.
لتوضيح الأمر، تجلس هي في حديقتها و معها أنبوب أزرق طويل، تخفق به رغوة الصابون و الماء و تمزجهما معاًز لقد قامت بذلك مرات كثيرة من قبل، و بالقليل من الجهد يصبح هذا المنتج قابلاً للبيع. من خلال قرضها الأول استطاعت صناعة و بيع خمسين كيلو غراماً من سائل غسيل الصحون، اشتراها أصدقائها و الجيران و العائلة.
"استطعت بيع كامل الكمية. أردت ان أخذ قرضاً أخر لأبداً في صناعة الشامبو. إذا أخذت قرضاً جديداً سأصنع صابون سائلاً، إذا حصلت على الدعم المناسب، أريد أن أفتح محلاً في منزلي لأنه مناسب لمثل هذه المشاريع."
لدعم عائلتها بشكل أكبر، تريد حميدة أن توسع من تجارتها، و هي متفائلة جداً حول المستقبل. "لا أعرف متى يمكن أن يحصل هذا الأمر، و لكن لدي أمل كبير أن حياتنا سوف تتغير. طالما أن هنالك أشخاص يتعاطفون معنا و يدعمونا، سوف أظل أمل أن الوضع سوف يتحسن."
إن الأمر ليس تنبئ، لكن عمل حميدة هو شتلة صغيرة سوف تنمو لتعطي مشروعاً كاملاً قادراً على الحياة. و لكن حتى الآن، الأمر يبدأ من هذه الحديقة، حيث يهز النسيم الأوراق الخضراء و تزهر الورود في الباحة معطيةً رونقاً سحرياً للمكان.
كل الشكر لمكتب المساعدات الإنسانية في التمويل الأميركي (BHA) على تمويل هذه النشاطات و توفير وسيلة عيش كريمة للناس في سوريا من أجل حصولهم على الإكتفاء الذاتي و من أجل أن يعاودوا الوقوف على أقدامهم من جديد.